لقد كان " البحر" هو سبب نشأة الكويت كبلد وكتجمع بشري و هو الذي رسم علاقاتهم الاجتماعية و الإدارية و الاقتصادية ، بشكل وثيق ، و رتب تعاملاتهم المالية بشكل دقيق، ومن خلال تلك النافذة البحرية أطل الكويتيون على العالم الخارجي فعرفوا الأنظمة الحديثة في مختلف الدول على تبايناتها، بدءا من العراق وبلاد فارس حتى الهند مرورا بدول الخليج والسواحل الافريقية، و بذلك اتسعت مداركهم ، وتعرفوا على المؤسسات اللازم قيامها لإدارة الدولة، عرفوا ذلك في وقت مبكر من نشأة مدينتهم، و لهذا ينظر اليهم جيرانهم على أنهم سبقوا في مدارج التنمية ، و ما كان ذلك ليكون لولا تلك النافذة البحرية .
هذا القاسم المشترك الذي أسماه القرآن الكريم " ايلاف قريش " يعبر عن الفة أهل مكة وتعاونهم في رحلتي الشتاء و الصيف، وقد كان من ذلك شيء مماثل في الكويت منذ نشأتها الأولى ، و اذا كان تدفق النفط قد خفف من وضوح هذه الحاجة للتعاون و وجدة المصير فإن بقاء الكويت في الأزمان القادمة يستلزم الوعي بهذه الميزة التي يحتاجها الأبناء و الأحفاد ، كي يتغلبوا بها على التحديات ، مثلما فعل أجدادهم و فعلت جداتهم .
و بالنظر الى أهمية توثيق تلك الروح، وتلك التجارب جاءت هذه الوقفة في هذا الكتاب مع جيل قام على أكتافه اقتصاد الكويت قبل عصر النفط، وهي مناسبة مواتية لتسطير ما سمعناه من آباء رحلوا، وبقية منهم لا تزال تحدثنا ، و تتمنى أن ينتقل حديثهم و تجاربهم الثمينة الى أجيال لم تدرك، زمنيا ، ما مر به بلدهم من تجارب كانت نتيجتها هي صناعة هذا الوطن رغم شظف العيش ومشاقه، وقد اخترنا القطاع البحري من اقتصاد الكويت ليس لعدم وجد مهن أخرى و لكن لارتباط وجود الكويت شكلا و موضوعا بالبحر ، و الهدف هو اعطاء صورة مكبرة ، تبين تفاصيل هامة و لا بد من تبيانها كي تتضح صورة الأنشطة الاقتصادية التي كانت بمثابة العمود الفقري لاقتصاد الكويت .